قصة آثر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على نفسه
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خير قدوة للبشرية في جميع أمور الحياة. لم تقتصر سيرته العطرة على العبادة والتقوى فحسب، بل تميزت أيضا بالرحمة والكرم وحسن التعامل مع الآخرين، وبخاصة مع أصحابه وأهله. وتعد قصة “آثر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على نفسه” واحدة من أبرز المواقف التي تُظهر صفاء قلبه، وعظمة شخصيته، وتفضيله لخير الآخرين على نفسه.
هذه القصة تتجسد في مواقف كثيرة حدثت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تبين كيف كان رسول الله يفضل صحابته على نفسه، وكيف كانت أولوياته تهتم بإرضاء الله ورسوله قبل أن يطلب لنفسه شيء من الدنيا. واحدة من أبرز هذه المواقف هي “غزوة تبوك” حيث يظهر جلياً تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه.
غزوة تبوك: ميدانٌ عظيمٌ للإيثار
غزوة تبوك هي واحدة من الغزوات الهامة في تاريخ الإسلام، وقعت في السنة التاسعة من الهجرة. وقد كانت بمثابة اختبارٍ عظيمٍ للمؤمنين في وقت كان فيه المسلمون يعانون من شظف العيش، وكان الوضع المادي في المدينة المنورة غير مستقر، خاصة بعد وفاة الكثير من الصحابة الذين كانوا يعينون النبي صلى الله عليه وسلم في مهامه المختلفة.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث جيوشه لقتال الروم الذين كانوا قد تجمعوا في الشام استعداداً للغزو، وكان الجيش بحاجة ماسة إلى التمويل والعتاد والمال لمواصلة المسير. وكان الصحابة في تلك الفترة يعانون من ضيق الحال، ولم يكن لديهم الكثير من المال أو الثروات ليقدموها في سبيل الله. لكن رغم هذا العوز، أظهر الصحابة تضحيةً لا مثيل لها في دعمهم للجيش الإسلامي، وكان منهم من أعطى كل ما يملك.
ولكن في هذا السياق، كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم فريداً ورائعاً. عندما طلب من الصحابة التبرع لمساعدة الجيش، قدّم الصحابة ما في أيديهم من أموال، ولكن البعض منهم لم يكن يملك شيئاً ليقدمه. ومن أبرز الأمثلة في هذا الموقف هو ما فعله الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
تفضيل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
كان أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، من أوائل من استجابوا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للتبرع للجيش. وقد قدم كل ما يملك، حتى أنه لم يترك شيئاً له ولأسرته إلا وقد تبرع به. وعندما سئل عن مقدار ما تبرع به، قال: “يا رسول الله، تركت لهم الله ورسوله”، وبذلك قدم كل شيء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك، كان هناك من الصحابة من لا يملك المال، مثل الصحابي الجليل عثمان بن عفان، الذي قام بتوفير قافلة من الإبل التي كانت تحمل الأموال والعتاد للجيش. وقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المواقف قائلاً: “ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم”، في إشارة إلى أن تبرعه كان له أثر عظيم في دعم المسلمين.
موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع المجاهدين
وعندما تكلمنا عن تفضيل الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، كان هناك مواقف عديدة أخرى أظهر فيها النبي صلى الله عليه وسلم تفضيله لأصحابه على نفسه، حيث كان يعرض عليهم الطعام والشراب، ويتنازل عن نصيبه ليُعطيه لأحدهم. وفي عدة مرات، كان النبي صلى الله عليه وسلم يختار أن يظل جائعاً ليأخذوا هم نصيبهم من الطعام، مشيراً بذلك إلى مدى حبّه وعطفه على الصحابة.
ومن أبرز تلك المواقف حادثة “غزوة تبوك”، عندما كان الصحابة يعانون من العطش والجوع أثناء سيرهم في الصحراء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل أن يتنازل عن قسطه من الماء ليعطيه لأصحابه الذين كانوا في أمس الحاجة إليه. لقد آثر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على نفسه بشكل عملي في هذا الموقف وغيره من المواقف التي تتعلق بالعطاء والفداء.
الرسول صلى الله عليه وسلم وآثر أصحابه في حال المرض
من المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب أن يظهر تعباً أو مرضاً أمام الصحابة. ففي إحدى المرات، مرض النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعاني من حرارة شديدة. في هذه اللحظات من الألم الشديد، كان الصحابة يراقبون حالته بقلق بالغ، وأرادوا أن يخففوا عنه. وفي أثناء مرضه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفضّل أن يتحدث معهم عن أمور تهمهم، مثل الجهاد، وأمور دينهم، وحالهم، متجاهلاً آلامه.
وفي إحدى المواقف، سمع الصحابة أنه كان يود أن يذهب إلى مكان آخر ليقابل أحد الصحابة، فحرصوا جميعهم على مساعدته في هذا الصدد، وتوفير كافة سبل الراحة له رغم مرضه. وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يُفضل أصحابه على نفسه، وكان يعرض نفسه للتعب والجهد في سبيل راحة ورفاهية أصحابه.
تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته في معركة أحد
من المواقف الأخرى التي يمكن الاستشهاد بها، تلك التي حدثت في “معركة أحد”. في هذه المعركة، جرح النبي صلى الله عليه وسلم وكان في وضع صحي صعب للغاية. ومع ذلك، لم يسمح لنفسه أن يُصاب اليأس أو يتراجع عن القتال. وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بإعطاء الأولوية لصحابته في التعامل مع الجراح، على الرغم من إصابته البالغة.
لقد حرص صلى الله عليه وسلم على أن تكون الراحة للمجاهدين أولاً، ثم قام بنفسه بالعناية بالجرحى من الصحابة وتقديم الرعاية لهم. كان اهتمامه بأصحابه يفوق اهتمامه بنفسه.
دروس وعبر من تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه
من خلال المواقف العديدة التي أظهر فيها النبي صلى الله عليه وسلم تفضيله لأصحابه على نفسه، نجد أن هذه الأفعال تتجاوز مجرد التضحية الشخصية؛ بل هي دعوة لجميع المسلمين إلى الإيثار في جميع شؤون الحياة. والرسول صلى الله عليه وسلم قد أظهر لنا كيف أن العطاء والكرم لا ينبغي أن يقتصر فقط على المال أو الطعام، بل يجب أن يشمل كافة جوانب الحياة: من الأخلاق، والوقت، والجهد، والصبر.
إن تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه يعكس العلاقة العميقة التي كانت تربطه بهم. كان حريصاً على أن يرى فيهم النقاء والإيمان، وكان يرى في تفضيلهم وتضحياتهم مظهراً من مظاهر الإيمان الحقيقي. كما أن هذا التفضيل يعكس أيضًا دور النبي صلى الله عليه وسلم كقائدٍ حكيمٍ، يحرص على رعاية أهله وأصحابه، ويسعى دائمًا لرفع معنوياتهم وتشجيعهم على بذل كل ما في وسعهم.
الخاتمة
تعد قصة تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه على نفسه واحدة من أروع الأمثلة في التاريخ الإسلامي، وهي دعوة لجميع المسلمين للعمل بهذه الفضيلة العظيمة. لقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم للأمة الإسلامية درساً عظيماً في الإيثار، يوضح فيه كيف يمكن أن يكون الإنسان أكثر من مجرد قائد؛ يمكنه أن يكون مثالاً يُحتذى به في التضحية والإيثار.
